• مرحبا بك على شبكه فلورانس الطبيه 🌐 نتمنى ان تكون بكامل الصحه و العافيه smile


    رحلة في تاريخ الداء السكري


    تاريخ الداء السكري
    حينما نتكلم عن الداء السكري ، فان هذا القول بدأ مع الانسان منذ بدايات الخليقة ، وكما لاتوجد براهين على صحة هذا القول ، فانه لايوجد اي اسباب نظرية او منطقية تنفي احتمال وجود الموغل في القدم ، ولكن ماوصلنا من  الدلائل التاريخيه عن الامراض ، او حتى عن المواضيع الاخرى التي يشملها التاريخ - تعتبر حديثة جدا ، فهي على الاكثر عدة الاف من السنيين ، وهي فترة قصيرة جدا لعمر الانسان على الارض.

    ورغم ذلك فالاشارات القديمة ترجح وجود الداء السكري وكانت من اقدم تلك المدونات عن الامراض التي تصيب الانسان ، فمع بدايات الحضارات القديمه كلها، سواء كانت المصريه ، او حضارات مابين الرافدين ، والحضارات الصينيه والهنديه ، وبعد ذلك حضارات الاغريق والرومان ، واكثر حداثة الحضارات الاسلاميه ، وصلتنا عن كل هذه الحضارات فقرات متفرقه عن اعراض وعلامات يمكن ترجيح كونها قد تحدثت عن الداء السكري ، ورغم ان هذه الفقرات بطبيعة الحال لم تتحدث عن المرض بشكل صريح ، ولكنها كافية لكي نقول ان هذا الداء كان موجودا منذ تلك الايام ، كغيره من الامراض الاخرى ، ولم يعرف حقيقته واسبابه ومرضيته الا في وقت متاخر جدا من هذه الايام.

    وتاريخ اي مرض هي محطات في مسار الزمن ، فبينما كانت المسافات الزمنيه بين محطة واخرى طويلة جدا في السابق ، الا اننا اصبحنا الان نسمع كل يوم ، بل وكل ساعة عن محظة جديدة ، واكتشاف حديث ، وانتصار تلو انتصار ، وبدات المسافات تتلاشى.

    واليوم يدعي العلم أن لا مستحيل !!
    وغدا ...يردد العلماء ان محطات القادمة في مسار التاريخ تدعي أمل ، وبشرى، ورجاء
    وقد ياتي اليوم--وربما اقرب من تخيلنا -فنصل بعون الله الى محطة التي نسمع فيها أن مشاكل الداء السكري بمجملها قد حلت...
    وبعد ... دعونا نركب القطار ، ونعود في رحلة الزمن الى الوراء ، لنجد إشارات في اوراق البردي المصرية منذ اكثر من ثلاث الاف سنة ، تصف حالة بعض المرضى المصابين بتعدد مرات التبول، والعطش الشديد والهزال المستمر ، وتنتهي هذه الحالات بوفاة المريض، ومن المحتمل ان يكون هذا الوصف لمرضى السكري .

    ولقد وصلتنا نفس الملاحظات من مدونات الصينيين في القرن الاول للميلاد ، عن أحد أطبائهم المشهورين يدعى تشانج-تشونج ، يصف فيها مرض يؤدي الى تعدد مرات التبول والجوع والهزال وتنتهي هذه الحالات بالوفاة
    وكان اول من تذوق البول ووصف طعمة حلو.

    ولقد افرزت الحضارة الاغريقيه كثيرا من المبدعين ومنهم أريتيوس، ووصف مظاهر هذا الداء، وهو اول من اطلق علية الاسم اللاتيني ديابتس وتعني (نافوره)، ولكن هذا الطبيب لم يعلل او يضع فرضية حول سبب او منشأ هذا المرض.

    وجاء بعده عالم روماني يدعى كلوديوس جالينوس في القرن الثاني بعد الميلاد ، فاهتم بهذه الحالات المرضية ،وأعاد وصفها ، وحاول أن يجد فرضية عن سبب الداء السكري واعتقد أن السبب يعود الى خلل في الكلية يجعلها لاتستطيع تركيز البول وبالتالي فالماء الذي يشربه المريض تفرزه الكلية كماهو .
    ولأن جالينوس كان إمبراطور الطب في وقته ، وظل مترابعا على هذا العرش حتى بعد وفاته لقرون عديده ، فلن يجروا احدأ يعارض هذه النظرية او حتى مجرد مناقشتها
    واستمر العمل بها وتصديقها لاكثر من عشره قرون بعد وفاة جالينوس.

    وحتى العرب العرب وهم المشهورون بمناقشة وتفنيد كل نظريات من سبقهم من حضارات مختلفة ، وغيروا كثيرا من المفاهيم الطبيه -وغير الطبيه-واضافوا من عندهم الكثير الكثير ، الا انهم للاسف وصفوا الداء السكري ، وأطلقوا عليه عدة اسماء منها (ولق الكلية)(والدولاب)(والدورات)
    ولكن معظمهم لم يغير من فرضية جالينوس ، الا ابن سينا حيث نسبت اليه بعض الاشارات انه قال  ان للكبد دورا هاما في هذا المرض
    وهو اول من وصف الغانغرين السكري بالقدم.

    إن اهم من تكلم عن هذا المرض من العرب ، هم ابن سينا والرازي وغيرهم ، فوصفوا الاعراض والعلامات وتكلموا عن مسار المرض وشرحوا الكثير من الاختلاطات بل وصفوا الكثير من الطرق التداوي سواء بالحمية او الاعشاب النباتية .
    وظلت كتابات ابن سينا والرازي وغيرهم من افاضل الاطباء العرب هي المراجع الوحيدة وللدراسات الطبيه
    ومن ضمنها الداء السكري ، حتى بداية اقوال الحضارة الاوربيه الحديثة .
    ظلت الافكار حول هذا المرض كما في عهد جالينوس وحتى القرن الخامس عشر حيث بدأ عهد التجربة العلمية .
    فقد قام أحد العلماء ويدعى بارسيليزس باخذ بول هؤلاء المرضى وأخذ يبخره حتى الجفاف ولاحظ تكون راسب أبيض ولم يعرف نوع هذا الراسب وأطلق عليه الملح الا  أن جاء العالم توماس ويليس وتذوق البول ووجد أنه حلو.
    واوصى الاطباء بتذوق بول المرضى المشتبه باصابتهم بهذا الداء واضاف الى كلمة ديابتس كلمة ميلليتس وتعني البول مخلوط بالعسل ومنذ ذلك الحين والمرض يعرف
    Diabetes Mellitus.
    في سنة 1775 م استطاع دوبسن أن يكتشف أن سبب حلاوة البول هي وجود سكر به، وظل هذا السكر غير معروف حتى 1815 م حيث تعرف علية شيفرول وعرف انه سكر الجلكوز.
    ثم جاء أحد المبرزين في علم وظائف اﻷعضاء ويدعى كلود برنارد والذي تمكن بتجارب كثيرة على الحيوانات أن يظهر اهمية الكبد في استقلاب السكر ، كما استطاع ان يبين انه اذا ارتفع سكر الدم عن حد معين فانه يظهر في البول.

    في سنة 1867 استطاع بول لانجرهانز ان يعطي وصفا يفصيليا عن ترشيح البنكرياس ، ووصف تجمعات خلوية خاصة اطلق عليها جزر لانجرهانز وعرف بوقت لاحق أنها المسوؤله عن افراز الانسولين .

    كان هناك طبيب روسي يدعى أوسكار منكوفسكي وكان هذا العبقري مولعا باستئصال أعضاء الحيوانات ودراسة تاثير ذالك على الوظائف الفسيولوجيه ، وقد وجد بطريق الصدفه أنه حيث يستاصل البنكرياس في الكلب ، يصاب باعراض مشابه لداء السكري مما جعلة يفترض وجود مادة يفرزها البنكرياس تمنع حدوث المرض.

    ويمر قطار الزمن على محطات كثيرة من الابحاث ، نختار منها محطة رئيسية في جامعة في مدينة تورنتوا بكندا وذالك سنة 1921 م حيث اهتم جراح يدعى فردريك بانتنج وبمساعدة طالب الطب يدعى شارل بست ، اهتما بنظرية التي تقول ان جزر الانجرهانز في البنكرياس تفرز مادة تنظم نسبة سكر الدم ، وبالعمل الدؤؤب وكثير من الخيال العلمي وبعض الحظ .
    أستطاع طالب الطب مع هذا الجراح أن يبتكر طريقة لاستخلاص هذه المادة من بنكرياس الخنزير ، ووجد ان حقن هذه المادة في حيوانات التجارب تؤدي الى خفض سكر الدم .وأطلق على هذه المادة اسم اﻷنسولين.

    حيث ان العالم بانتنج حاصل على جائزة نوبل في مجال الطب والفيسولوجي لعام 1923 م
    بالاشتراك مع العالم ميكلود.
    تقديرا لجهودهم في الكشف عن الانسولين وتحضيره.

    حيث ان اول إنسان حقن بها هو أحد أصدقاء العالم بانتنج.
    حيث كان يعاني من المراحل النهائية للداء السكري ، وساءت حالة المريض بعد الحقن في الساعات الاولى (ربما بسبب نقص شديد في سكر الدم ) ولكن لحسن الحظ  لم يدم ذالك طويلا وبدأ ينتعش المريض مكن نجاح هذه التجربة انتصارا رائعا لهذا الثنائي واستحقا علية جائزة نوبل .

    ولكن أهم من ذلك أنه بدأ في اﻷفق أول وأهم اكتشاف في رحلة اﻷلف ميل -في مسار الداء السكري.
    ومنذ هذا الوقت اي سنة 1922 م الى ثلاثين سنة بعد هذا التاريخ ، يمكن تسمية هذه الحقبة الزمنية بعصر الانسولين ، وقبلها لم يكن هناك وسيلة علاجية للمرضى ألا حميتهم عن الطعام .

    وبعد اكتشاف الانسولين بدأ الامل يراود كل اﻷطباء في أن مشكلة الداء قاربت من الحل وبدا الرجاء يمﻷ قلوب المرضى في وضع نهاية لهذابهم وآلامهم، ولكن التفاؤل كان اكبر من الحقيقة بكثير ، ففي المراحل الاولى لاكتشاف هذا الدواء
    كان على المريض ان يحقن نفسه عدة مرات في اليوم الواحد، الا ان استطاع أحد العلماء ويدعى هاجدرون سنة 1936 م ان يصنع نوعا خاصا لﻷنسولين باضافة جزئ بروتيني .
    وكان هذا النوع الجديد أطول مفعولا بحيث يمكن حقنة مره واحدة في اليوم ، وسميت هذه الانواع الجديدة الانسولين مديد المفعول وبدأ العلماء بالتفكير في دواء يؤخذ عن طريق الفم ، حيث ان الانسولين لايمكن أخذه الا بالحقن.
    وفي سنة 1942 م وعن طريق الصدفة كان أحد الاطباء الفرنسيين ويدعى جامبو يحرب احد مشتقات السلفا في معالجة حمى التيفوئيد وظهر لدى بعض المرضى أعراض مشابه لنقص السكر الذي يحدث عند اعطاء كمية كبيرة من الانسولين ، من دوخة وتعرق ،وأحيانا غيبوبة ، لدرجة أن اثنين من مرضاه الذين يجرب عليهم الدواء قد ماتا اثناء العلاج.
    هذه المصادفة غير المتوقعة كانت بداية اكتشاف الحبوب الفموية المستعملة لخفض السكر ففي برلين استطاع طبيب اخر يدعى فوكس 1955 م أن يجرب مشتقا جديدا لمركبات السلفا ووجد ان له تاثير منخفضا لسكر الدم عند مرضى السكر .

    ولم تتوقف الاكتشافات واﻷبحاث عند هذا الحد ، ففي العقود الثلاثة الاخيره كانت محطة هامة جدا في مخابر الابحاث والمراكز العملية في جميع أنحاء اﻷرض.
    فبدا بالتفكير في زراعة بنكرياس في الستينات، وطورت هذه العمليات  ولكن قابلتها مشاكل كثيرة مما جعلهم يفكرون بزرع خلايا لانجرهانس ومازالت الابحاث  في المجال مستمرة حتى يومنا هذا.

    مع اخفاقات ومصاعب في مكان ، ونجاح ورجاء في اماكن اخرى .
    وفي أوائل الثمانينيات نجح العلماء في تصنيع الانسولين البشري عن طريق الهندسة الوراثيه ، واصبح هذا النوع الهام من الانسولين في الاسواق ومتوفر لجميع مرضى السكري.

    وفي التسعينات نشطت الابحاث في الالية المناعيه التي يظن ان الكثير من الحالات المرض تسبب منها ويحاول العلماء الان ان ينجحوا في تثبيط هذه الالية ومنع حدوث المرض او ايقاع تطوره


    ان العلم لايتوقف ...والأمل لاينقطع.....وسيأتي اليوم الذي نهتي فيه الى الحل.

    إعداد الدكتور
    وجدي الاغبري

    ليست هناك تعليقات

    صور المظاهر بواسطة Nikada. يتم التشغيل بواسطة Blogger.